قصتي مع السيد حسن نصر الله
بقلم: إبراهيم المدهون
بدأت معرفتي بالسيد حسن نصر الله في عام 2000، أو ما قبل ذلك بقليل، حينما انتشرت الفضائيات، وكنت أتابع قناة المنار كمنبر مقاومة. كنت أنتظر خطاباته لثلاثة أسباب: أولاً لأنه يتمتع بكاريزما قوية، وثانياً لأنه مفوه وخطيب مميز، وثالثاً لأن حديثه يجمع بين السياسة والقوة والثورية. هذه الخلطة التي أحببتها، وأتمنى أن يتبعها الزعماء السياسيون. فرغم ثوريته في الخطاب، إلا أنه كان واقعياً، يتحدث بمعادلات واضحة وعاطفة صادقة.
في تلك المرحلة، كان شاباً ذو وجه مشرق، وعيون صقرية، وكان له هيبة وإطلالة جميلة. زادت متابعتي له بعد انطلاق انتفاضة الأقصى، حيث، رغم وجوده في لبنان، الذي كان قد تحرر قريباً من الاحتلال الإسرائيلي بعد انسحابه من الجنوب، كان أحد مفاعيل هذه الانتفاضة ورمزها. السيد حسن نصر الله تميز بدعمه ومساندته لها على الصعيدين المادي والسياسي. كان له دور كبير، بل إن الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان شجع الرئيس ياسر عرفات على دعم الانتفاضة، التي تحولت بعد ذلك إلى حرب مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي، وأبدعت المقاومة الفلسطينية بعملياتها الفدائية داخل تل أبيب.
منذ ذلك الوقت، لا أذكر يوماً غبت فيه عن أي من خطاباته. دعني أقول لكم إنني تعلمت السياسة من خطابات السيد حسن نصر الله، فهو رجل سياسي بامتياز، كما أنه رجل عسكري. استشهاد السيد حسن نصر الله واغتياله ليس أمراً عادياً، فهو ليس مجرد مسؤول أو قيادي أو أمين عام، بل هو المسؤول السياسي في الحزب، والمسؤول العسكري والجهادي، بالإضافة إلى كونه المسؤول التنظيري وناطقاً إعلامياً، وهو الذي يتحمل جزءاً كبيراً من الدعاية والإعلام في الحزب. كما أنه المسؤول عن العلاقات والتشابكات في المنطقة. لذا، فإن الفراغ الذي أحدثه السيد حسن نصر الله يُعتبر من أكبر الفراغات التي يمكن أن يتركها أي زعيم أو قائد. إنه يجمع بين الاستراتيجي والتكتيكي، وهو شخصية تفصيلية ومتابع جيد، بالإضافة إلى فهمه العام للأحداث.
ولا شك أن السيد حسن نصر الله أبدع في إدارة حرب تموز 2006، ولكن ما أدهشني أكثر هو تدخله لإنقاذ غزة، وهذا موقف يُسجل للتاريخ. فقبل عملية أسر الجنديين الإسرائيليين في جنوب لبنان، كانت غزة تتعرض لحرب كبرى بعد عملية “الوهم المبدد”، حيث شُنّت حرب واسعة على قطاع غزة استمرت عدة أيام، وكانت حرباً استئصالية أرادها الاحتلال الإسرائيلي. وفي تلك اللحظة، أعطى السيد حسن نصر الله أوامره بالهجوم على الاحتلال الإسرائيلي، فطوفان الأقصى لم يكن المرة الأولى التي يشارك فيها حزب الله في مساندة إخوانه في غزة، بل إنه شهد على ذلك أيضاً في عام 2006.
حقيقةً، كان في الحرب مثالاً للقائد المميز الذي يخرج ليقول لنا: “انظر إلى هذه الباخرة، إنها تحترق، وسأضرب حيفا وما بعد حيفا”. وقد قدم نموذج القائد العام الصلب الذي انتصر في ذلك اليوم على الاحتلال الإسرائيلي. ترسخت رمزيته ودخلت صورته إلى كل بيت عربي حباً وتكريماً. واليوم، بعد استشهاده، يجب علينا أن نقول إنه يستحق أن تُرفع صورته باعتزاز، لأنه بالفعل قدم ما لا يقدمه أحد في دعم فلسطين وفي طريق القدس بشكل واضح.
لم نشك يوماً في أن السيد حسن نصر الله يعتبر قضية فلسطين قضيته الأولى. كان مخلصاً حقيقياً، وكان يتمنى أن يدخل المسجد الأقصى ويحرره، وكان يؤدّي نفسه لذلك. كنا نعرف أنه من أهم الفاعلين في معركة التحرير. صحيح أننا اختلفنا معه في مرحلة ما خلال الأزمة السورية الكارثية، التي كنا نتمنى أن تتجنبها قوى المقاومة، لكنه كان لديه حسابات واعتبارات أعتقد أنها معقدة جداً لأسباب كثيرة، ليس الآن الحديث عنها.
ولكن، رغم سياسته، لم يتخلّ يوماً عن الإعداد والاستعداد في المعركة الفلسطينية. لذلك، فإن حب السيد حسن نصر الله كبير وعظيم في نفوس الفلسطينيين. وبالفعل، نحن نعتبر اغتياله اليوم هو اغتيال لأحد القادة الروحيين والأساسيين الفلسطينيين. ونتمنى من الله عز وجل أن يعوض حزب الله بقائد مثل السيد حسن نصر الله، وأن يستمر الحزب في نباله ضد الاحتلال.
أما الاحتلال الإسرائيلي، فقد اعتبر اغتيال السيد حسن نصر الله أعظم عملية اغتيال قام بها. وأعتقد أن هذه الاغتيالات تمثل الطريق الذي استخدمه الاحتلال الإسرائيلي، باستخدام قنابل شبه نووية لضرب الضاحية، وتدمير ليس بنايات فحسب، بل مربعات بأعماق لا تقل عن 50 متراً تحت الأرض. كل ذلك يمثل استعراضاً للقوة، وفيه غرور أيضاً.
أذكر أنني في مرحلة ما كنت أعود إلى جميع خطابات السيد حسن نصر الله حتى القديمة، وأعجب به وبطرحه وأدائه وطريقته. كنت أشعر أيضاً بصدق نواياه تجاه دينه ووطنه وفلسطين. كان رجلًا صادقًا عاش صادقًا واستشهد صادقًا، دفع ثمنًا كبيرًا لموقفه العظيم.
+1